سورة إبراهيم - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


قلت: {شك}: فاعل بالمجرور، و{فاطر}: نعت له.
يقول الحق جل جلاله: حاكياً عن نبيه موسى عليه السلام في تذكير قومه، أو من كلامه؛ تذكيراً لهذه الأمة {ألم يأتكم نبأ الذين مِن قبلكم}: ما جرى عليهم حين عصوا أنبياءهم؛ {قوم نوح وعادٍ وثمود والذين من بعدهم} كقوم شعيب، وأمم كثيرة {لا يعلمهم إلا اللهُ}؛ لكثرة عددهم، واندراس آثارهم. ولذلك قال ابن مسعود: كذب النسَّابُون. {جاءتهم رسلهم بالبيناتِ}؛ بالمعجزات الواضحات، {فرَدُّوا أيديَهُمْ في أفواههم}؛ ليعضوا عليها؛ غيظاً مما جاءت به الرسل كقوله {عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأنامل مِنَ الغيظ} [آل عمران: 119]. أو: وضعوها عليها؛ تعجباً منهم، أو: استهزاءً بهم، كمن غلب عليه الضحك. أو إسكاتاً للأنبياء، وأمراً لهم بإطباق الأفواه، أو: ردوها في أفواه الأنبياء، يمنعونهم من التكلم، أو: ردوا أيديهم، أي: نِعَم الأنبياء عليهم، وهي: مواعظهم والشرائع التي أتوهم بها من عند الله، ردوها في أفواه الأنبياء حيث كذبوها، ولم يعملوا بها، كما تقول لمن لم يمتثل أمرك: ترك كلامي في فمي وذهب. {وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتُمْ به} على زعمكم، {وإنا لفي شكٍّ مما تدعوننا إليه} من التوحيد والإيمان، {مُريب}: مُوقع في الريبة، أو: ذي ريبة، وهو: قلق النفس بحيث لا تطمئن إلى شيء.
فإجابهم الرسل عن دعواهم الشك في الربوبية، {قالت رُسُلُهم أفي الله شكٌّ}: أفي وجوده شك، أو في ألوهيته، أو في وحدانيته شك؟ قال البيضاوي: أُدخلت همزة الإنكار على الظرف؛ لأن الكلام في المشكوك فيه، لا في الشك، أي: إنما ندعوكم إلى الله، وهو لا يحتمل الشك؛ لكثرة الأدلة، وظهور دلالتها عليه. اهـ. وأشار إلى ذلك بقوله: {فاطر السماواتِ والأرض} أي: خالقهما ومبدعهما على هذا الشكل الغريب، والإتقان العجيب؛ إذ لا يصدر إلا من إله عظيم القدرة، باهر الحكمة، واحد في ملكه؛ {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، وهو {يدعوكم} إلى الإيمان والتوحيد ببعثه إيانا، والتصديق بنا، {ليغفر لكم من ذُنُوبكم} إن آمنتم، أي: يغفر لكم بعض ذنوبكم، وهو ما تقدم قبل الإسلام، ويبقى ما يُذيب بعده في المشيئة، أو: ما بينكم وبينه دون المظالم.
والجمهور: أنه يغفر للكافر ما سلف مطلقاً، وقيل:{من}: زائدة، على غير مذهب سيبويه. قال البيضاوي: وجيء بمن، في خطاب الكفرة، دون المؤمنين في جميع القرآن، تفرقةً بين الخاطبين، ولعل المعنى فيه أن المغفرة، حيث جاءت في خطاب الكفار، مرتبة على الإيمان، وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة، والتجنب عن المعاصي، ونحو ذلك، فيتناول الخروج عن المظالم. اهـ. {ويُؤخّرَكُم إلى أجلٍ مسمّى}: إلى وقت سماه الله، وجعله آخر أعماركم.
وقال الزمخشري تبعاً للمعتزلة: يؤخركم إن آمنتم إلى آجالكم، وإن لم تؤمنوا عاجلكم بالهلاك قبل ذلك الوقت، وهذا على قولهم بالأجلين. وأهل السنة يأبون هذا، فإن الأجل عندهم واحد محتوم، والله تعالى أعلم.
الإشارة: التفكر والاعتبار أفضل عبادة الأبرار، وفي الحديث: «تفكر ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة» فيتفكر العبد فيما سلف قبله من القرون الماضية والأمم الخالية، كيف رحلوا عن ديارهم المشيدة، وفروشهم الممهدة، واستبدلوها بضيق القبور، وافتراش التراب تحت الجُنوب، وجاءهم الموت وهم غافلون، وتجرعوا كأسها وهم كارهون، فلا ما كانوا أمّلوا أدركوا، ولا إلى ما فاتهم رجعوا قدِموا على ما قدَّموا، وندموا على ما خلفوا، ولم ينفع الندم وقد جف القلم، فيوجب هذا التفكرُ الانحياش إلى الله، والمسارعة إلى طاعة الله، والزهد في هذه الدار الفانية، والتأهب للسفر إلى الدار الباقية؛ فيفوز فوزاً عظيماً. وفي تكذيب الصادقين تسلية للعارفين، وللمتوجهين من المريدين، إذا قُوبلوا بالإيذاء والتكذيب، وبالله التوفيق.


يقول الحق جل جلاله: وقال الذين كفروا لرسلهم: {إنْ أنتم إلا بشرٌ مثلُنا} لا فضل لكم علينا، فَلِمَ تختصمون بالنبوة دوننا، ولو شاء الله أن يبعث رسلاً إلى البشر لأرسلهم من جنس أفضل، كالملائكة، أو: ما أنتم إلا بشر، والبشر لا يكون رسولاً. قال ابن جزي: يحتمل أن يكون استبعاداً لتفضيل بعض البشر على بعض بالنبوة، أو يكون إحالة لنبوة البشر، والأول أظهر؛ لطلبهم البرهان بقولهم: {فأتونا بسلطان مبينٍ}، ولقول الرسل: {ولكن الله يَمُنُّ على من يشاءُ من عباده}. اهـ. ثم قالوا للرسل: {تُريدون أن تَصدُّونَا عما كان يعبدُ آباؤُنا} من الأصنام بهذه الدعوى، {فأتونا بسلطانٍ مبين}: ببرهان بيِّن يدل على فضلكم، واستحقاقكم لهذه المرتبة التي هي مرتبة النبوة، كأنهم لم يعتبروا ما جاؤوا به من البينات والحجج، فاقترحوا عليهم آية أخرى، تعنتاً ولجاجاً.
{قالت لهم رُسُلهم إن نحن}: ما نحن {إلا بشر مثلُكم ولكن الله يَمُنُّ على من يشاءُ من عباده} بالنبوة والرسالة، فمَنَّ علينا بذلك، وإن كنا بشراً مثلكم، سلّموا لهم مشاركتهم في الجنس، وجعلوا الموجب لاختصاصهم بالنبوة فضل الله ومَنَّهُ عليهم. وفيه دليل على ان النبوة مواهب عطائية لا كسبية. ثم أجابوا عما اقترحوا بقولهم: {وما كان لنا أن نأتيَكم بسلطانٍ إلا بإذنِ الله}، فليس لنا الإتيان بآيات، ولا في قدرتنا أن نأتيكم بما اقترحتموه، وإنما هو أمر متعلق بمشيئة الله، يخص من يشاء بها، على ما تقتضيه حكمته وسابق إرادته.
{وعلى الله فليتوكَّل المؤمنون}، فلنتوكل نحن عليه، في الصبر على معاناتكم ومعاداتكم. عمموا الأمر بذكر المؤمنين؛ للإشعار بأن الإيمان موجب للتوكل، وقصدوا به أنفسهم قصداً أولياً، ألا ترى قولهم: {وما لنا ألا نتوكل على الله} أي: أيُّ عذر لنا في ترك التوكل على الله؟ {وقد هَدَانَا سُبُلنا} أي: طرقنا التي نعرفه بها، فنوحده، ونعلم أن الأمور كلها بيده، {ولَنصْبِرَنَّ على ما آذيتمونا}: على أذاكم حتى يحكم الله بيننا، وهو جواب عن قسم محذوف، أكدوا به توكلهم، وعدم مبالاتهم بما يجري من الكفار عليهم. {وعلى الله فليتوكل المتوكلون} أي: فليثبت المتوكلون على ما استحدثوه من توكلهم، المسبب عن إيمانهم. قاله البيضاوي تبعاً للزمخشري.
قال ابن جزي: إن قيل: لِمَ كرر الأمر بالتوكل؟ فالجواب عندي: أن قوله: {وعلى الله فليتوكل المتوكلون} راجع إلى ما تقدم من طلب الكفار: {فأتونا بسلطان مبين} أي: حجة ظاهرة، فتوكل الرسل في ورود ذلك إلى الله. وأما قوله: {فليتوكل المتوكلون} فهو راجع إلى قولهم: {ولنصْبرنَّ على ما آذيتمونا} أي: نتوكل على الله في دفع أذاكم. اهـ. وهو حسن، لكن التعبير بالمتوكلين يقتضي أن التوكل حاصل، والمطلوب الدوام عليه، وقد يقال: إنما عبَّر ثانياً بلفظ المتوكلين؛ كراهية إعادة اللفظ بعينه، أي: من كان متوكلاً على الله فإنه الحقيق بذلك.
وقال في القوت: أي: ليتوكل عليه في كل شيء مَنْ توكل عليه في شيء. وهذا أحسن وجوهه. قال في الحاشية: والوجه الآخر: وعليه فليتوكّل، في توكله مَنْ تَوكَّل عليه من الأشياء؛ لأن الوكيل في كل شيء واحد، فينبغي أن يكون التوكل في كل شيء واحد. اهـ.
الإشارة: سر الخصوصية مستور بأوصاف البشرية، ولا فرق بين خصوصية النبوة، والولاية. سترها الحق تعالى غيرةً عليها أن يعرفها من لا يعرف قدرها؛ فلا يطلع عليها إلا من سبقت له من الله العناية، وهبت عليه ريح الهداية. وفي الحِكَم: سبحان من ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية، وظهر بعظمة الربوبية في إظهار العبودية. وقال أيضاً:سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه. قال في لطائف المنن: فأولياء الله أهل كهف الإيواء، فقليل من يعرفهم، ولقد سمعت شيخنا أبا العباس المرسي رضي الله عنه يقول: معرفة الولي أصعب من معرفة الله؛ فإن الله معروف بكماله وجماله، وحتى متى تعرف مخلوقاً مثلك، يأكل كما تأكل، ويشرب كما تشرب؟ قال فيه: وإذا أراد الله أن يعرفك بولي من أوليائه طوى عنك وجود بشريته، وأشهدك وجود خصوصيته. اهـ.
قلت: ومعنى طوى عنك وجود بشريته هو: عدم الوقوف مع أوصافها اللازمة للنقائص، بل تنفذ منها إلى شهود خصوصيته، التي هي محل الكمالات. فأوصاف البشرية الذاتية للبشر لا تزول عن الولي، ولا عن النبي كالأكل والشرب، والنوم والنكاح، والضعف والفقر، وغير ذلك من نعوت البشر؛ لأنها في حقهم رداء وصون لستر خصوصيتهم؛ صيانةً لها أن تتبدل بالإظهار، وينادى عليها بلسان الاشتهار، ولذلك اختفوا عن كثير من الخلق. وإلى هذا أشار في الحِكَم بقوله: لا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم البشرية.
وقال صاحب كتاب (أنوار القلوب): لله سبحانه عباد ضنَّ بهم عن العامة، وأظهرهم الخاصة، فلا يعرفهم إلا شكل، أو محب لهم، ولله عباد ضنَّ بهم عن الخاصة والعامة، ولله عباد يُظهرهم في البداية ويسترهم في النهاية، ولله عباد يسترهم في البداية ويُظهرهم في النهاية، ولله عباد لا يظهر حقيقة ما بينه وبينهم إلى الحفظة فمن سواهم، حتى يلقوه بما أودعهم منه في قلوبهم، وهم شهداء المكلوت الأعلى، والصفْح الأيمنِ مِنَ العرش؛ الذين يتولى الله قبض أرواحهم بيده، فتطيب اجسادهم به، فلا يعدوا عليها الثرى، حتى يُبعثوا بها مشرقةً بنور البقاء الأبد مع الباقي الأحد عز وجل. اهـ.
وقال أبو يزيد رضي الله عنه: أولياء الله تعالى عرائس، ولا يرى العرائس إلا من كان مَحرماً لهم، وأما غيرهم فلا. وهم مخبؤون عنده في حجاب الأنس، لا يراهم أحد في الدنيا ولا في الآخرة. اهـ. وجميع ما أجاب به الأنبياءُ قومَهم يجيب به الأولياءُ من أنكر عليهم، من قوله: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا}، من التعلق بالأسباب والانهماك في الحظوظ، ومتابعة الهوى، وحب الدنيا، ومن قولهم: {فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} إلى تمام ما أجابوا به. والله تعالى أعلم.


قلت: {واستفتحوا}: معطوف على {أوحى}؛ إن كان الضمير للرسل، واستئناف إن كان للكفار. و{يسْقى}: معطوف على محذوف، أي: يلقى فيها ويسْقى، و{صديد}: عطف بيان لماء، و{يتجرعه}: صفة لماء، أو حال من ضمير {يسقى}.
يقول الحق جل جلاله: {وقال الذين كفروا لِرُسُلهم}؛ تخويفاً لهم: والله {لنُخرجنَّكم من أرضنا أو لتعودُنَّ في ملَّتنا}، حلفوا ليكونن أحد الأمرين؛ إما إخراج الرسل من ديارهم، أو عودهم إلى ملتهم، والعود هنا بمعنى الصيرورة؛ لأنهم لم يكونوا على ملتهم، كما تقدم في قصة شعيب عليه السلام. ويجوز أن يكون الخطاب لكل رسول، ولمن آمن معه، فغلّب الجماعة على الواحد، وقال الذين كفروا في كل عصر لكل رسول أتاهم: لنخرجنك، أو لتعودَن في ملتنا. {فأوحى إليهم ربُّهم} أي: إلى رسلهم، مجتمعين أو متفرقين على القولين وقال في إيحائه: والله {لَنُهلكنَّ الظالمين} فتخلى بلادهم، {ولَنُسْكِنَنكُم الأرضَ من بَعدهم} أي: أرضهم وديارهم، لقوله: {وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا ا} [الأعراف: 137]. {ذلك} الميراث والإسكان {لمن خاف مقامِي} أي: قيامه للحساب بين يدي في القيامة، أو قيامي على عبادي، وحفظي لأعمالهم، واطلاعي على سرهم وعلانيتهم. أو خاف عظمة ذاتي وجلالي، {وخاف وعيد} أي: وعيدي بالعذاب، أو عذابي الموعود للكفار.
{واستفتحوا} أي: استفتح الرسل: طلبوا من الله الفتح على أعدائهم، أو القضاء بينهم وبين أعاديهم، كقوله: {رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق} [الأعراف: 89]؛ واستفتح الكفرة واستنصروا على غلبة الرسل، على نحو قول أبي جهل في غزوة بدر: اللهم، أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا يعرف، فأحنه الغداة، أي: أهلكه. أو: استفتح الفريقان معاً، فكل واحد منهما سأل الله أن يُهلك المبطل وينصر المحق. وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن محيصن: بكسر التاء؛ على الأمر للرسل بطلب الفتح. {وخاب}: خسر {كلُّ جبارٍ}: متكبر على الله، {عنيدٍ}: معاند للحق ولمن جاء به. وهذا هو الفتح الذي فتح لهم، وهو: خيبة المتكبرين وفلاح المؤمنين.
ثم ذكر مآل خيبهم بقوله: {من ورائه جهنمُ} أي: أمامه وبين يديه، فإنه مرْصد بها، واقف على شفيرها في الدنيا، مبعوث إليها بعد الموت فيلقى فيها، {ويُسقى من ماءٍ صديد}، وهو ما يسيل من جلود الكفارمن القيح والدم. {يتجرَّعُه}: يتكلف جرعه، أي: زهوقه في حلقه. رُوي: أن الكافر يؤتى بالشربة منه فيتكرهها، فإذا أدْنيت منه شوت وجهه، وسقطت فيها فروة رأسه، فإذا شربها قطعت أمعاءه. فيتجرعه {ولا يكادُ يُسيغُه} أي: لا يقارب أن يُسيغه، أي: يبتلعه بصعوبة فكيف يُسيغه، بل يكلف به ويطول عذابه ثم يبتلعه؛ لأن نفي {كاد} يقتضي الوقوع. والسوغ: جواز الشراب على الحلق بسهولة، وهذا بخلافه.
{ويأتيه الموتُ} أي: أسباب الموت {من كل مكانٍ}؛ من أجل الشدائد التي تُحيط به من جميع الجهات. أو: من كل مكان من جسده حتى من أصول شعره وإبهام رجليه. {وما هو بميت} فيستريح، {ومن ورائهِ}: من بين يديه {عذابٌ غليظ} أي: يستقبل في كل وقت عذاباً أشد مما هو عليه، وقيل: هو الخلود في النار، وقيل: حبس الأنفاس في الأجساد. قاله الفضيل بن عياض. وقيل: قوله: {واستفتحوا}: كلام منقطع عن قصة الرسل، بل نزل في أهل مكة حين استفتحوا بطلب المطر في السنة التي أخذتهم بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فخيب الله رجاءهم ولم يسقهم، وأوعدهم أن يسقيهم بَدَلاً من سقياهم المطر صديدَ أهل النار. قال معناه البيضاوي.
الإشارة: ما خوَّفت الكفارُ به، رسلَهم خوفت به العوام فقراءَهم وأولياءهم، قال التجيبي، في الإنالة، لما تكلم على خفاء الأولياء، قال: ومعلوم أن العصمة لم تثبت إلا للنبيين والرسل عليهم الصلاة والسلام وأنَّ غيرهم يصيب ويخطئ، ويذنب ويتوب، لكن لمن سُطرت مناقب الرجال، وكراماتهم، ولم تذكر سيئاتهم، وطال العهد بهم، ظن أكثر الخلق أن ليس لهم سيئات، وقد كان لهم في أزمانهم المُحب والمبغض، والمسلّم والمنتقد. ثم قال: فمن يرضى يقول أحسن ما يعلم، ومن يسخط يقول أقبح ما يعلم، وقد رأى أولئك في أزمانهم من الأذى والتنقص، وإساءة الظن بهم ما كان يقصر عنه صبر غيرهم، وقد أُخْرِجَ أبو زيد البسطامي من بسطام مراراً، ورُفِع الشبلي والخواص والنوري للسلطان، وتستر الجنيد بالفقه حين ضُيِّقَ على الفقراء، وقُبض على الحلاج، وضُرب، ومُثَّل به، على أنه ساحر زنديق. اهـ. المراد منه.
قلت: وقد وقع بنا في مدينة تِطوان أيام التجريد أمثال هذا، فقد خُوفنا بالضرب مراراً، وسُجِنا وأُخرجنا من زاويتنا، وقال لنا محتسبُهُم: والله لنخرجنكم من مدينتنا، ونركبكم في سفينة إلى بر النصارى، فقلت له: حبّاً وكرامة، ولعلّنا نُذكرهم الله حتى يسلموا، ولما وصل الخبر بهذه المقالة إلى شيخنا، كتب لنا بهذه الآية: {وقال الذين كفروا لرسلهم...} إلخ. وكل آية في الكفار تجر ذيلها على من تشبه بهم، وإن كان مُسلماً. وبالله التوفيق.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7